الثلاثاء، ١٧ مايو ٢٠١١

الحريات المدنية و نهضة الاقتصاد لا يتجزأن

كتابة إسلام إبراهيم حسين

البعض في مصر الآن ينظر لما يحدث من مظاهرات و اعتصامات ضد إسرائيل بأنها تشتيت للثورة و إنها تبعدنا عن المهمة الأولى في الوقت الحالي، ألا و هي إعادة بناء مصر إقتصاديا.

لكن مصر ليست فقط إقتصاد. هي أيضا مجتمع مدني و جزء من الذي يجب بنائه هو كيفية ممارسة الحريات في هذا المجتمع. لا يجب أن ننتظر على بناء هذا الجانب من المجتمع في وقت لاحق بعد استقرار الاقتصاد كما يدعو البعض. أولا، فئات كثيرة من الشعب متعطشة لاستغلال هذه الحريات و ليس هناك من سيوقفهم . و إن حاولت الدولة، ذلك غالبا ما سيؤدي إلى إستخدام العنف و الاعتقال للمتظاهرين الذي سيؤدي فقط إلى مزيد من كبت الحريات و الضغينة بين المواطنين و الحكومة الحالية و الجيش. فمن منظور عملي لا غير، محاولات وقف التظاهرات لن يحد من إرادة الشباب للاعتصام و التعبير عن رأيهم في الشارع, و ستزيد من الطين بله. 

أما من منظور بناء مجتمع مدني متحضر حر، يجب تشجيع ممارسة تلك الحريات و الوقت الحالي هو أفضل وقت لبدء ممارسة ذلك الحق. هذا التطبيق لن يكون سهلا و لن يكون تطبيق صحيح من أول وهلة، و لكنه سيكون تدريب لكل مواطن مصري يبغي ممارسة هذا الحق المشروع و هو أيضا فرصة لتدريب الحكومة للتعامل بعظة و حنكة سياسية (فالعنف الحكومي في وجه الشعوب هي عادة قديمة تنفع فقط في القرن الماضي، لكن في قرننا هذا بألانترنت و تويتر و Facebook  لا ينفع فيه هذه الأساليب).

ففئات الشعب التي تريد ممارسة هذا الحق يجب أن تتعلم كيف ممارسة هذا الحق من غير كسر القانون. فإن كان القانون لا يعطي الكثير من الحقوق في هذا المجال، فيجب تغيير القانون سلميا عن طريق الطرق المشروعة. من الطبيعي هناك أوقات، مثل  الوقت الحالي، حين لا يكون هناك أي بديل عن تغيير القانون إلى عن طريق العصيان المدني و كسر القانون. و هذا جائز بالأخص أثناء أوقات إستثنائية مثل الوقت الحالي في غمرة ثورة مصرية تسعي إلى النجاح. لكن على من يريدون أن يمارسوا هذا الحق أن يتذكروا أن لتصرفاتهم عواقب قد تؤثر بالسلب على تحقيق أهداف التظاهرات نفسها. فمثلا، أثناء التظاهر، أقل نوع من التعدي على القانون سيقابل بعنف شديد من قبل السلطات، أو ستأخذ من قبل بعض وسائل الإعلام ضد الثائرين السلميين لوصفهم بالبلطجة و الهمجية. و هذا بالتأكيد سيستخدم ضد القضية التي يتظاهر من أجلها المتظاهرين (مثل القضية الفلسطينية). و لنتذكر أن جزء كبير جدا من نجاح ثورة ٢٥ يناير هو أنها كانت سلمية جدا مع الوضع في الاعتبار الحجم المهول للثورة بأعدادها الغفيرة من الناس. أنا لا أدعو إلى عدم التظاهر، و لكن أدعو إلى التظاهر الذكي الذي يشمل بالأساس تغيير القوانين سلميا أولا، و إن تعذر ذلك، فعن طريق عصيان مدني موزون لكي نفوز في الحرب الإعلامية و النفسية. 

أما بالنسبة للحكومة (المؤقتة الحالية أو مستقبلية) فيجب أن تتعلم كيف تتعامل مع المتظاهرين بحكمة و إتزان. يجب على أي حكومة مصرية تنفيذ القانون، لكن أيضا يجب معاملة المواطن، أي مواطن، مصري باحترام و تقدير. هذا يتطلب إعادة تدريب أفراد قوات الأمن و الكف عن الأسلوب الأبوي السلطوي الذي كان يتبعه حكام الأنظمة السابقة تجاه المواطن ("إن لم يسمع المواطن الكلام و يتبع الأوامر، سيعامل معاملة لا يرجوها"). معاملة المواطن بإحترام  ليس فقط من أجل المواطن، لكنه أيضا من أجل أن نجاح تلك الحكومة سياسيا. فإن لم تفعل، فسوف يؤدي ذلك إلى إضعافها داخليا و خارجيا، و ستجد فقط القليل جدا من الناس و الحكومات الأخرى التي قد تريد مساعدتها (هذا درس لم يتعلمه أمثال القذافي و الأسد و بن صالح).

لكن يجب على أفراد المجتمع أولا و أخيرا أن يعلموا أنهم هم الذين سوف يأتون بحريتهم بأنفسهم. فلا يجب أن ينتظروا من أي أحد وعود بالحريات. فالحرية لا تؤجل ولا تجزأ. لكن مع الجهاد للحصول على تلك الحريات و انصار القضايا التي من أجلها يتظاهرون، يجب أن نتذكر أن أفعالنا تشاهد و يحكم عليها كما تريد أهواء آلبعض  في وسائل الإعلام و من أعداء القضية التي من أجلها نناضل. فيجب التنبه إلى ذلك و الالتزام بأقصى حد ممكن بمبدأ "سلمية سلمية". أنظر مثلا إلى هذا المقال الممتاز عن الحركات الحالية التي تسعى لإعادة حقوق الفلسطينيين

أخيرا، أود أن أقول باختصار للذين يدعون إلى تأجيل التظاهر حتى ينصلح حال الاقتصاد، أنه لن ينصلح أبدا حال الاقتصاد المصري من غير أن ينصلح حال المجتمع المدني المصري، و الذي يشمل الحريات السياسية و الاجتماعية. و لهذا أسباب كثيرة سأتناولها في مقالات لاحقة في المستقبل. 

متعلق: المحظورات الثلاثة للأستاذ عمرو حمزاوي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق