السبت، ٣٠ أبريل ٢٠١١

الرد على بعض الادعاءات الخاطئة في حق المنهج الليبرالي

كتابة إسلام إبراهيم حسين

لقد لاحظت هذا التعليق على حساب التويتر للإخوان المسلمين. فطبعا أثارت إهتمامي ولكني حين قرأت المقال (الذي كتبه الدكتور رفيق حبيب) المذكور في التعليق وجدته ممتلئ بالكثير من المغالطات و الأخطاء. سأقوم في هذه المقالة بتصحيح المفاهيم الخاطئة في مقالة الدكتور حبيب. و سوف أحاول أيضا أن أوضح كيف أن مجتمع إسلامي كامل يمكن أن يوجد تحت نظام حكم ليبرالي، و أن الليبرالية و الإسلام (بل و أي دين أو عقيدة أخرى) لا يتعارضان كما يدعي البعض. 

أولا:
فالليبرالية تمثل فرعا من فروع العلمانية، وهي تقوم أساسا علي قيمة الحرية الفردية باعتبارها القيمة الأولي بالرعاية، أي القيمة العليا التي يعمل النظام السياسي علي تحقيقها، وبجانب الحرية الفردية، تعمل الليبرالية علي تحقيق قيمة الرفاهية المادية، وأيضا قيمة السوق الحرة. وبهذا تتشكل الليبرالية كفلسفة علمانية وضعية، أي دنيوية، حول قيمة الحرية الفردية. أما الشيوعية، فهي أيضا فلسفة علمانية وضعية، أي دنيوية، وتقوم أساسا علي قيمة المساواة، بوصفها القيمة الأولي بالرعاية. حيث تعمل الشيوعية علي تحقيق المساواة الكاملة والمتطابقة بين الجميع، وبجانب المساواة تعمل الشيوعية علي تحقيق التنمية والتقدم. وبهذا تختلف الشيوعية عن الليبرالية، في القيمة الأولي بالرعاية، حيث تعمل الدولة الليبرالية العلمانية علي تحقيق الحرية الفردية قبل أي قيمة أخري، وتعمل الدولة الشيوعية علي تحقيق المساواة قبل أي قيمة أخري. ولكن كلاهما يمثل فكرا علمانيا دنيويا، وبينهما العديد من التيارات البينية.
مع أن أغلب ما يصف الكاتب الليبرالية به هو صحيح (الحرية الفردية مثلا)، الليبرالية كمنظومة فكرية هي لا ضد الدين و لا معه. بل تترك للفرد و المؤسسات الاجتماعية الدينية المبنية على حرية المشاركة حق التعبير و الدعوة بلا منازع. و بالطبع، فبما أن أفراد المجتمع لهم حق الانتخاب و التصويت، فسيكون لهم صوت في تشكيل قوانين المجتمع. و سيكون لهم كل حق في وضع و تنفيذ أي قوانين على أنفسهم و على أعضاء جماعاتهم (تحت فرض أنهم أعضاء بناءا على إرادتهم الحرة بلا غصب أو إعتداء على حريتهم). فى بعض الشؤون لن يكون هناك إختلاف بين إرادة أفراد المجتمع ككل و بعض المؤسسات و المنظمات الدينية. فمثلا، سيكون هناك عقوبة للسرقة في المجتمع الليبرالي. ماذا ستكون العقوبة؟ المسلمين مثلا سيريدون وضع حد قطع اليد. إما بالتصويت المباشر أو عن طريق السلطة التشريعية من الممكن أن يستطيعون أن يجعلوا قطع اليد هو عقوبة السرقة. و إن لم يفعلوا، فمن الممكن أن يطبقوا هذا الحد فقط على أعضاء مؤسساتهم (تحت فرض أنهم أعضاء بناءا على إرادتهم الحرة بلا غصب أو إعتداء على حريتهم و تحت عقود موثوقة تثبت ذلك). فبهذا، الليبرالية لا تمنع تطبيق تعاليم و شريعة أي دين طالما أنها تطبق على أناس أحرار اختارو هذا التطبيق بحرية  و بلا غصب. 

ثانيا: 
وفي الليبرالية، لا تكون حرية الفرد مطلقة، فهي محكومة بالدولة والنظام السياسي، فيصبح الفرد حرا في حدود النظام السياسي والقانوني، وليس في حدود النظام الاجتماعي. ففي الليبرالية تكون الدولة هي الكيان الذي يحظي بالرعاية والتأمين.
كما أوضح هنا، في الدولة الليبرالية هناك إحترام شديد لسيادة القانون الذي يحمي، لا، ليس الدولة، بل يحمي حق الفرد في المجتمع. يحمي حقه في ممارسة دينه كما يرى هو صحيحا و بمسئوليته. الدولة ليس لها أي حق أو صفة تعلو على حقوق المواطن. الليبرالية، أولا و أخيرا هي ضمان لكل أفراد و جماعات المجتمع (الدينية منها و الغير دينية) في ممارسة عقائدهم بحرية كاملة.   

المبادئ الأساسية لليبرالية

كتابة إسلام إبراهيم حسين

بعد بعض المناقشات مع البعض وجدت أن هناك قدر كبير من سوء الفهم (و في بعض الأحيان الكثير من سوء الظن أيضا) بمعنى و مبادئ الفكر الليبرالي. فهناك من يظن أن الليبرالية تؤدي إلى الرأس المالية المجحفة بالفقراء و متوسطي الدخل. و هناك من يظن أنها تعادي الدين و المبادئ الأخلاقية في المجتمع.  و هناك من يظن أنها فلسفة تؤمن بأن حقوق الفرد أعلى من حقوق المجتمع (و هذا إلى حد ما صحيح و لكن لا يتعارض مع إيجاد مجتمع قوي فيه عدل إجتماعي) . 

بما إنني ليبرالي، أود في هذه المقالة أن أوضح المبادئ الأساسية للفلسفة الليبرالية و سوف أترك للقارئ الحكم على مبادئ الفكر الليبرالي و عواقبه.

هذه لن تكون المقالة الأخيرة في هذه الموضوع و لكني سابدأ بهذا الفيديو الذي يشرح مبادئ الفكر الليبرالي. سألخص و أعلق على هذه المبدأ أدنى الفيديو.


 الفكرة الأساسية في الليبرالية هي حرية الفرد. و هذه معناه أنه حتى بين الليبراليين هناك الكثير من الاختلافات و لكنهم يجتمعون على ١٠ عواقب لفكرة حرية الفرد: 
  1. الحرية: في حياتنا اليومية، في معتقداتنا، في الطريقة التي نقدي وقتنا و مالنا، الخ، كل منا حر في كيفية استغلال مواردنا الشخصية. و بهذا فمن المنظور السياسي، الدور الأساسي للحكومة في أي مجتمع ليبرالي هو منع التعدي على أي فرد من أفراد المجتمع (حريته في التعبير، في الفكر و الاعتقاد، في الحفاظ على حياته و أملاكه التي اقتنائها بالحق من دون سرقة أو غصب).
  2. الفردية: حقوق الفرد أهم من حقوق أي جماعة. حق الفرد في المجتمع لا يمكن أن يجهض من أجل ما يسميه البعض "الصالح العام". أي "صالح عام" ينتج عنه طغي على حق أي فرد في المجتمع شيء غير مقبول في مجتمع ليبرالي حر. كل بني آدم له وضعه و كل بني آدم يحترم. الأنظمة الشمولية مثل القومية الرأس مالية (الفاشية  fascism) و القومية الاشتراكية  (الشيوعية communism) مثلا ترى أنه من الممكن الخلاص من الفرد و حقوقه من أجل تحقيق أهداف شمولية إجتماعية "أسمي". 
  3. الشك في السلطة: أيا كانت هذه السلطة، الليبرالي دائما ما ينظر إليها  بحرص شديد و بعين من الشك. سلطة الحكومة بالأخص ذات أهمية عليا بسبب أن الحكومة هي المؤسسة الوحيدة في المجتمع التي من حقها معاقبة أي كاسر للقوانين (التي من المفترض أن تكون قوانين حماية حقوق الأفراد فقط). في مجتمع قائم على الحرية، ليس هناك أي شخص أو مؤسسة غير حكومية تتعامل معها بدون أن تفعل هذا بناءا على إرادتك و مشيئتك. أما الحكومة، أيا كان نظام وضع القوانين فيها، من الممكن أن تضع قوانين ترغم عليك أشياء ضد مشيئتك. عادة ما يدعي ذوي السلطة فرض قوانين من أجل حمايتك أو من أجل التحسين من وضعك. الليبراليون يؤمنون أن أنسب شخص لتحديد ماهو في مصلحتك هو أنت و ليس أي شخص آخر، و أنه كثيرا ما يحدث هو أن من لهم السلطة يريدون أن يستثمروا شخصيآ من وراء هذه السلطة عن طريق وضع العديد من القوانين "من أجل مصلحتك" و ما هي إلا طريقة لهم و لأصحابهم من أصحاب رؤوس المال الغير صالحين للربح من وراء تلك القوانين.
  4. سيادة القانون: أول ما يضع المجتمع الهيكل الأساسي  للقوانين التي تحكم المجتمع و الحكومة، يجب تنفيذ هذه القوانين على كل أفراد و مؤسسات المجتمع (و التي تشمل الحكومة) بدون أي تمييز. هذا عادة ما يتم عن طريق سلطات الدولة الثلاثة: السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية. من المهم جدا تطبيق أي قانون جديد يتم طبقا  للدستور الليبرالي الموضوع لحماية جميع أفراد المجتمع سواسية و بلا تمييز مبني على الدين، الجنس، الطبقة الاجتماعية، الخ.
  5. المجتمع المدني: المجتمع المدني هو مجموع الأفراد و المؤسسات في المجتمع، و بالأخص المؤسسات و المنظمات  القائمة على حرية التجمع و تكوين شراكة  طوعية حرة. و بهذا، لا تعتبر الحكومة أو الدولة جزء من هذا المجتمع المدني لأنها ليست قائمة على الطوعية و الاختيار الحر للإنضمام لها. و هنا نجد وجه إختلاف بين الليبرالية و الاناركيه، فالاناركيه تؤمن بما أن الدولة ليست مبنية على حرية الإنضمام لها، فهي مؤسسة غير مدنية و، إذن، فهي غير شرعية. الليبرالية تؤمن بأن الدولة شيء لابد منه، و لكن بما أنها ليست مبنية على حرية إختيار الفرد في المجتمع، فيجب أن يكون لها سلطة في أضيق الحدود، و يترك تنظيم المجتمع للمجتمع المدني الحر. فالسؤال إذن من سيقوم بحل مشاكل و تنظيم المجتمع؟ الإجابة الليبرالية هي مؤسسات المجتمع المدني، مثل الأسرة، المؤسسات الخيرية الدينية و الغير دينية، الشركات المستقلة الحرة، الاتحادات العمالية و المهنية، الخ. فهذه المؤسسات أولا عندها إهتمام حقيقي بأعضائها (و إلا لماذا وجدت من أصله؟) و ثانيا عادة ما تكون محلية و على دراية تامة بمتطلبات أعضائها الخاصة منها و العامة. 
  6. التنظيم الذاتي الطبيعي التلقائي : هناك علوم إجتماعية، و إقتصادية  و رياضية كاملة تدرس كيفية تكوين مؤسسات إجتماعية تحل مشاكل المجتمع بدءا من مبدأ حرية المشاركة الذي يؤدي إلى تكوين منظمات إجتماعية تحل الكثير (إن لم يكن جميع المشاكل الاجتماعية). أي حل لمشاكل المجتمع مبني على إحترام حرية الأفراد في الاختيار و التجمع أحسن من أي حل مبني على منهج من أعلى إلى أسفل (مثل جميع الحلول الحكومية للمشاكل الاجتماعية). عن طريق التفاعلات الحرة بين أفراد المجتمع، الليبراليين يؤمنوا أن نظام إجتماعي سوي يقوم. من أمثلة هذه الظواهر هي "منظمة النقود" فالنقود ما هي إلى أداة إجتماعية تسهل التعامل بين أفراد المجتمع. هذه "المنظمة" قامت على مر زمن طويل جدا خاضعة لقوانين التطور الاجتماعي المبني على التفاعلات بين الأفراد. و كذلك في حالة "منظمة اللغه". فاللغات نشأت نشأة طبيعية من دون أي إرادة أدمية عليا. في بعض الأحيان، تتكون منظمات، مثل الدولة المبنية على الاستبداد أو الرأس مالية الفاشية، التي تنشأ عن تفاعلات غير حرة. هذا ممكن تحت التنظيم الذاتي من النوع غير الحر، و لهذا، الليبرالي لا يؤيد مثل هذه المؤسسات و يسعى دائما إلى تصحيحها على قادر الإمكان .
  7. السوق الحر: التعاملات الاقتصادية بين أفراد و مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون حرة من أي تدخل من الدولة. هذا يشمل أيضا كيفية إستخدام الفرد لموارده. فهو يختار ماذا يابني و كيف، من أين يشتري و مع من يتعامل و يطلب عمالته و لمن يعطي عمالته. و من أجل تحقيق هذا، في المجتمع الليبرالي يجب أن تحترم الملكية الخاصة للجميع من دون تفرقة. فإن لم يكون لي الحق في التصرف في أملاكي (أيا كانت قليلة أو كثيرة) كما أرى أنه مناسب، فكيف لي أن أنظم حياتي كما أراه مناسب لي و لمتطلباتي. الكثير من الاقتصاديين (و بالأخص ذوي الميول الليبرالية) يؤكدون أن السوق الحر يزيد من الازدهار، و العمل، و يقلل من الفقر و البطالة، و يشبع متطلبات المجتمع. 
  8. التسامح: التسامح هو أن نعطي الأخرين حق الاعتقاد و التصرف في حياتهم بحرية حتى و لو لم نتفق معهم في كيفية ممارسة معتقداتهم و حياتهم. عدم التسامح يغري الكثيرين إلى اللجوء إلى الدولة لفرض معتقداتهم على الأخرين أو لمنع الآخرين من ممارسة عقائدهم بحرية. أحسن مثال للتسامح، هو حرية التعبير. فالتعبير عن الرأي، حتى و لو كان مكروه للآخرين، فهو حق مكفول للفرد في الدولة الليبرالية. حرية التعبير ليس لها أي إستثناءات مهما كانت. 
  9. السلام: من غير سلام و تحت تهديد إستخدام العنف، لا يمكن لأي مجتمع مدني حر من أن ينشأ. لذا، دور الدولة الأساسي هو حماية أمن المجتمع و مانع إنتشار العنف ضد الأفراد و ممتلكاتهم. أما دور الدولة مع العالم الخارجي هو تأمين السلام لأفراد المجتمع للتداول مع أفراد مجتمعات أخرى خارج حدود الدولة. و هذا يعني أن الدولة لا يجب لها أن تمنع حرية التنقل من و إلى الدول الأخرى، أو نقل البضائع و التجارة، بل و أيضا لا يمكن أن  تحد من تنقل الأفكار (مثلا عن طريق الانترنت و الكتب، الخ).
  10. حكومة محدودة الصلاحيات: دور الحكومة الأساسي و الوحيد هو حماية حريات الأفراد، و حياتهم، و ملكيتهم الخاصة. و من دور الحكومة أيضا أن  تنزع بين طرفي أي تعاقد مدني (عن طريق المحاكم). من الصعب جدا لأي حكومة من أن تفعل ماهو أكثر من ذلك من دون أن تتعدى على حريات أفراد المجتمع. 
 في رأي الشخصي، إذا أردت أن ألخص هذه المبادئ، ألخصها في أمرين أساسيين:
أولا: حرية الفرد في الاختيار و الأفراد في التجمع و تكوين منظمات و مؤسسات مدنية مستقلة. و مع هذا يجب أيضا إحترام مشيئة كل فرض في المجتمع مهما كانت معتقداتهم. 
ثانيا: سيادة القانون الحامي لمبدأ حرية الفرد و تكوين حكومة قائمة فقط على تنفيذ تلك القوانين. 

بهذين المبدأين يكون مجتمع ليبرالي عادل قوي قائم على إحترام الفرد.

إضافة:
للمزيد عن مبادئ الليبرالية، أنا أقترح هذا الكتاب:














    الخميس، ٢٨ أبريل ٢٠١١

    ما هو الحل للصناديق الخاصة؟

    كتابة إسلام إبراهيم حسين

    لقد أثيرت في مصر مؤخرا ضجة ناتجة عن الحجم الرهيب من الفساد عن طريق إستخدام الصناديق الخاصة في كافة المؤسسات الحكومية في مصر. لملخص جيد لهذه القضية و أبعادها، أشير القارئ لمقالة الاخ الهواري هنا

    هناك الكثير من الناس من يتساءلون الآن عما نفعل بهذه الصناديق. الأخ الهواري مثلا كتب في نهاية مقاله: 
    أتمنى أن الناس تهتم أكثر بالقضية دي عشان شايفها أنها اكبر قضية فساد في مصر فعلاً و أن لو الحكومة سيطرت عليها و أن المصروفات دي راحت للدولة ممكن تحل مشاكل كثير بدل من أننا نستلف قروض من برة و نغرق البلد في ديون ثانية و تحكم غربي في قرراتنا و سياستنا
    أي أن الفكرة في حد ذاتها مقبولة لو استخدمت صح و بالرقابة. و هذه قد تكون فكرة صائبة.  لكني أشكك في جدواها و مدى الاستطاعة من رقابتها.

    لكني لا أريدأن أناقش هذه النقطة الآن حتى أتعلم أكثر عن هذه الصناديق و عن جدواها وعن كيفية رقابتها.

    ما أود أن أفعله هو أن أناقش نقطة لم أسمع أحد يناقشها حتى الآن، ألا وهي نقطة كيف لرئيس الجمهورية أن تكون له تلك السلطة التي بها يخلق صناديق يتم عن طريقها سلب أموال الشعب؟ من الظاهر أنه تحت قوانين ما قبل الثورة أن ذلك كان ممكنا. و قد قام حسني مبارك باستخدام تلك القوانين لإمكان الحرامية اللذين يعملون في الحكومة من السلب (الآن أعرف لماذا كانت تلك الوظائف الحكومية جذابة مع أنها نظريا ليست كذلك) . حسب الدستور و القوانين السابقة، حسني مبارك لم يخرق القانون (لكنه خرقها من أوجه كثيرة لا تحصى). هو فقط كانت له صلاحيات رهيبة عن طريقها نهبت البلد.

    ففي هذا درس مهم جدا يجب أن نتعلمه و نتذكره مع قرب مناقشة و التصويت على الدستور الجديد للبلد. هذا الدرس هو أنه يجب ألا نعطي أي سلطة مطلقة تحت أي ظرف لرئيس الجمهورية. لا له ولا لغيره في نظام الحكم. يجب أن نسعى إلى أن سلطات الحكومة الثلاثة يجب أن تكون منفصلة و تكون رقيبة على الأخرى. الرئيس هو فقط رئيس السلطة التنفيذية. و هو لا يسن القوانين  و لا تكون له حق إصدار أوامر تنفيذية أبدا. إذا تذكرنا و وضعنا دستور يحترم تلك النقطة، مشاكل مثل مشاكل الصناديق الخاصة و عواقبها لن تحدث ثانية.

    فما الحل إذن؟ الحل هو أن لا يسمح لأي شخص في الحكومة أن تكون له سلطة تكوين هذه القوانين في المستقبل. بل و أن لا يجب أن تكون هناك أي شيء "خاص" في أي مؤسسة حكومية لأنها بطبيعتها مؤسسات عامة يجب أن تكون مراقبة بشدة من جهة رقابية حكومية و غير حكومية. 

    الأحد، ٢٤ أبريل ٢٠١١

    عواقب قانون الحد الأدنى للاجور: جزء ٣

    كتابة إسلام إبراهيم حسين 

     لقد أعجبني أيضا هذا التعليق من الأخ ragab_econ

    There is another point that goes against the minimum wage - at least for Egypt - that I would like to add. In developing countries, like Egypt, law enforcement is not very strict. That's why you have huge informal sectors, which you don't have in more developed countries. Experience in India showed, that when the minimum wage was set too high, the proportion of the labor force force working in the informal sector increased, because many firms tried to escape the minimum wage by "moving" to the informal sector.    
    So in the end, the minimum wage only benefited a number of workers, those who stayed in the formal sector, and made life much difficult for those working in the informal sector. You have to remember that when working in the informal sector, you are not eligible to social security, aren't payed the minimum wage and you aren't protected from being fired. All in all, you are worse off than working in the formal sector without the minimum wage.   
    Some I'm sure will argue that the law can be enforced. I think this is an illusion. We all know the Egyptian police and law enforcement and how creative Egyptian's are when it come to breaking the law. This will only become possible maybe in 10-15 years of sustained development.

    عواقب قانون الحد الأدنى للاجور: جزء ٢

    كتابة إسلام إبراهيم حسين


    ردا على مقالتي السابقة عواقب قانون الحد الأدنى للاجور قام الاخ عمرو عجماوي بكتابة رد في رسالة مفتوحة  رسالة مفتوحة  سوف أقوم بالرد عليها تفصيليا أدناه.

    لقد قرأت مقالك "عواقب الحد الأدني للأجور"، وقبل ان ابدأ في طرحي عن الإفتراضات التي بنيت عليها مقالك علي اساس انها مسلمات ومعطايات ثابتة، فإني اود ان اوضح ان اختلاف المرجعيات الفكرية لا يعني التخوين ولا تستدعي التجريح كما ان النوايا ليست محل تأكيد او نفي لكونها ببساطة ليست محل اطلاع او مشاهدة، لذا فنحن نتحدث عن فكر ومنهج يصاحبه فعل، وليكن هذا دائما هو المقياس.

    يسعدني جدا سماع هذا الكلام و أتمنى أن يكون هذا هو معيار الحوار في مصرنا الجديدة الحبيبة.

    بخصوص طرحكم في اولاً، فلقد تسألت عن لماذا مبلغ ٢٠٠ دولار هو الحد الأدني المطالب به وهو في حدود ١١٠٠ جنيه إلي ١٢٠٠ جنيه، وذلك وفق حسابات متوسط اسعار سلة الغذاء المصري لمتوسط عدد افراد الأسرة المعالة مضافاً عليها مصاريف السكن في اضيق حدوده وكذلك متوسطات ضعيفة لباقي احتياجات الحياة، هذا كله من ناحية ومن ناحية اخري قدرة الإقتصاد علي الوفاء بهذ الحد.
    هناك  مشكلتان في هذه الحسبة. أولا، هي حسبة مبنية على متوسطات. كل فرض في المجتمع له إحتياجات تزيد أو تقل عن المتوسط.   كل عامل له أسرة، مثلا، مكونة من أعداد مختلفة من الأبناء. هل تشمل تلك الحسبة هذه العوامل الفردية أيضا؟ كوني ليبرالي، الفروقات الفردية مهمة جدا حيث أنه لا يصح في وجهة نظري التعامل بشمولية مع المجتمع أو مع أي فئة منه.
    ولقد ذهبت بتساؤلك ايضاً في "أولاً" الي طرح سؤوال عن وضع دخل العمال الذين يعملون وينتجون بمعدلات اعلي ويحققون نتائج اعظم لأصحاب الأعمال، وهنا اود ان اوضح لك ان حديثنا عن الحد الأدني للأجور وليس عن الأجر الموحد... لذا فإن الإفتراض الذي وضعته هنا كإشكالية وربطته بعد ذلك بإفتراض آخر بأن هذا الحد الأدني سيعطي فرصة لرفض اصحاب الأعمال زيادة دخل العاملين المتميزون لهو امر ضد منطق الأشياء، فلو كان هذا العامل مميزا فإن صاحب العمل سيزيد اجره من واقع حفاظ صاحب العمل علي مصلحته الشخصية وبعيداً عن فكرة العدالة والمثالية وإلا سيفقد (صاحب العمل) مردود العامل المميز علي المؤسسة والذي وصفته انت بأنه كبير.
     أنا متفق معك في هذه النقطة لو كنا نتحدث عن  العمالة غير ماهرة. لكن على الهامش* أي عامل يحق له أكثر من الحد الأدنى و لكن ليس بالكثير(أعداد هؤلاء كثير جدا في حالة العمالة الغير ماهرة) ، سيكون من السهل جدا دفع الحد الأدنى فقط. مع أن الفرق قد لا يكون كبيرا إلا أنه مازال حق هؤلاء في الطلب بكامل مستحقاتهم مهما كان الفرق ضئيل.  
    اما بخصوص كيفية فرض هذا الأجر علي اصحاب الأعمال، فالوسائل متعددة والتجارب في هذا المجال كثيرة للغاية وفعالة.
    و هنا يأتي واجه الاختلاف الأساسي. لا أنا ولا الليبرالية  ضد الحد الأدنى كمبدأ  أو في حق العمال في تكوين نقابات للضغط على أصحاب الأعمال. فهذا مثال لحرية تكوين الجمعيات**. لكن المشكلة تقبع في إعطاء أي نقابة أو شركة أو مؤسسة مساندة حكومية إستثنائية لفئة من دون الأخرى. أضف إلى هذا أنه من وجهة نظر الفكر الليبرالي أن دور الحكومة الأساسي هو ضمان تنفيذ العقود بين أفراد و مؤسسات المجتمع. تحت هذا المفترض، فالاتحادات المستقلة تتفق مع أصحاب الأعمال و منه يصيغون عقد يشمل أمور مثل الحد الأدنى المتفق عليه. و إذا لم يحترم أصحاب العمل أو العمال بشروط العقود، تتدخل الحكومة (عن طريق الجهات التنفيذية و القضائية) لصالح الجهة المفترى عليها. بهذا، الاتحادات في كل قطاع و في كل شركة تضع الحد الأدنى المناسب، دون شمولية أو تمييز في المعاملة من قبل الحكومة.

    فضلاً عن هذا، فإن وجود حد ادني بهذه القيمة من شأنه زيادة القوة الشرائية في السوق وبالتالي إنعاش دورة الإقتصاد، ولتكن تلك الحقيقة هي مدخلي للرد علي النقطة "ثانياً" والتي تناولت فيها اذا كان الحد الأدني اقل من مردود العامل علي المنشأة
    هذا المبدأ الاقتصادي الذي تتحدث به هو النظرة السائدة في أغلب العالم و ترجع إلا جون ماينارد كينز. و الكثير من علماء الاقتصاد مازالو يشككون في فلسفته. لكن هذا سؤال أخر كبير يطول نقاشه و سوف أعد إليه في وقت أخر. لكن يكفي أن أرشد القارئ الى المقالات و المناقشات على هذا الموقع مثلا (الذي يتبع نظريات و فلسفة علماء الاقتصاد "النمساويين" أمثال فريدريك فون حايك الحائز على جائزة نوبل و لودفيج فون ميسيز و أخرين بالأخص في جامعة جورج مسون الأمريكية).

    يا عزيزي هذه المشكلة ليست مشكلة العامل وإنما مشكلة الإدارة... الخلاف هنا واسع بين الأمرين، فأنت افتراضك اسس علي فكرة ان العامل غير الممكن هو نتاج ذاته وليس نتاج بيئة الإدارة، وهو اختلاف واسع مع علم الإدارة ذاته، لذلك ارجو منك مراجعة الأدبيات المختلفة وستجد الكثير الذي قتل هذه النقطة بحثاً
     إمكانيات العامل ناتجة عن عوامل كثيرة. واحد منها هو دور الإدارة. لقناه دور صغير. التعليم و الأسرة و الإمكانيات المتاحة للعمل في نشأته و تعليمه، و بالأخص قدراته الذاتية كلها ما يؤدي لكون العمال من دون المهارات في موقفهم هذا. بعض كل هذه العوامل، يقدم العامل نفسه للإدارة التي هي أيضا لها دور في تحديد دخل العامل. 
    كذلك فأنت ذهبت بإفتراض جديد في نفس ذات النقطة، مفداه ان الحد الأدني سيقلل التوظيف بشكل عام، وهذه علاقة بين متغيرين ليس بينهما رابط، بمعني انه لا توجد علاقة مثبتة بين البطالة ووجود حد ادني للأجور. يا عزيزي لم تثبت هذه العلاقة علي الإطلاق، وهو افتراض يذكرني بإدعاء شهير دعني اذكرك به، وهو ان تكنولوجيا المعلومات تزيد من معدلات البطالة... حيث ظل البعض يردده لسنوات، في الوقت الذي اكدت الأدبيات الادارية والاقتصادية عدم وجود رابط ايضاً...فأرجو منك ايضاً مراجعة هذه النقطة وستجد عدم وجود علاقة بين الأمرين علي الإطلاق.
    كنت في هذه النقطة أفترض أن الحد الأدنى أكثر من الأجر الطبيعي الناتج عن قانون العرض و الطلب  و قد لا نختلف هنا. زيارة سريعا الى ويكيبيديا تشرح هذه النقطة و كيف أنه ليس سؤال مغلق.
    النقطة رابعاً والتي طرحت فيها ان الحد الأدني للأجور يمكن قبوله في الدول التي تتمتع بإقتصاد قوي، وهذا افتراض ايضاً يضحضه تاريخ الحد الأدني للأجور، والذي تطبقه معظم دول العالم، وحتي لا نأخذ امثلة بعيدة فهناك مثلاً ماليزيا والتي طبقته في بداية تجربتها وبالتحديد في عام ١٩٧٧، والأمثلة متكررة في كل دول جنوب شرق آسيا والتي طبقته قبل النهضة وليس بعدها... اي استخدمته لزيادة القوة الشرائية في السوق من ناحية، ولخلق قيم معنوية ايجابية لدي الملاكات العاملة حيث انه-ووفقا لنظرية اقتصادية حاز صاحبها علي جائزة نوبل- ان المحرك الرئيسي لأي اقتصاد هو وجود قيم معنوية ايجابية لدي المواطنين مثل الأمل والكرامة الوطنية والفرح العام وخلافه.
    هذه النقطة تداولتها سابقا (نقطة زيادة القوى الشرائية)، لكن هل من الممكن أن تحدد هذا العالم الذي تنسب إليه؟

    الليبرالية أيضا تنطلق من مبدأ الأمل و الكرامة للفرد و كما أوضحت سابقا أنها ليست ضد حق تكوين الاتحادات و المطالبة بحد أدنى للأجور. لكن المشكلة تقبع في فرض حد معايا مع موهبة الاتحادات على حساب أصحاب الأشغال.

    أخيرا... أشكرك جدا على أخذ الوقت للإيضاح و الرد على مقالتي و أتمني أن نستمر في هذا الحوار أيا كان الموضوع. فهذا كله من أجل مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة.

    * On the margin.
    **Freedom of association

    الثلاثاء، ١٩ أبريل ٢٠١١

    عواقب قانون الحد الأدنى للاجور

    كتابة إسلام إبراهيم حسين

    منذ فترة و أنا أتابع بعض الأفراد ذوي الميول الاشتراكية على تويتر. في الآونة الخير لاحظت أن هناك دعوات كثيرة لوضع قانون يحدد الحد الادنى للاجور. الرقم المتداول يبدو أنه حوالي ٢٠٠ دولار في الشهر.

    أول رد فعل بديهي هو أن الحد الادنى شيء جيد لأنه يحمي العمال من جشع من يعينهم و ملاك محل أعمالهم.

    لكن هل هناك عواقب أخرى، و بالأحرى هل هناك عواقب تضر بالعمال المغلوب على أمرهم؟

    الإجابة هي نعم!

    لكن قبل أن استكمل، دعوني أقول بدون أي تشكيك في نوايايا بأنه من المؤكد أنه بالفعل هناك أصحاب أعمال من هم جشع. من المحتمل أنهم كلهم أو أكثرهم جشعيين. فهذه المقالة ليست للدفاع عنهم و أنا لست مأجور منهم. هدفي الوحيد  هو حماية حقوق العمال و ليس الضرر بهم. و كما أنا هذا هو دافعي، فأنا متأكد أن دافع الاشتراكيين هو أيضا حماية حقوق العمال، لكني أعتقد أنهم لم يدرسوا موقفهم جيدا و أتمنى أن يقرأوا هذه المقالة جيدا و يتفكروا بها جيدا إن كانو حقا مهتمين بحقوق العمال.

    ما هي تداعيات قوانين الحد الادنى للعمال؟

    بإختصار:

    أولا: لماذا، مثلا، ٢٠٠ دولار؟ لماذا لا تكون أكثر من هذا؟ ماذا عن العمال الذين يعملون و ينتجون لملاك أعمالهم بي أكثر من ذلك بكثير؟ ما الذي سيرغم أصحاب الشركات أن يدفعوا أكثر؟ فهم سيدعو أنهم يدفعون طبقا للقانون! فأول مشكلة أنه بوضع هاد أدنى للأجور من الصعب جدا إرغام مالكي الأعمال من رفع الأجور. البعض قد يقول أنه إذن من الواجب في تلك الحالة أن نرفع الحد الادنى أكثر. و الرد على هذا في النقطة التالية .

    ثانيا: إذا كان الحد الأدنى مرتفع أكثر من اللازم لدرجة أن الدخل لصاحب الشركة أقل من العائد من العامل الذي يعمل بالحد الادنى. أي أنه يخسر من هذا العامل. فماذا نتوقع أن يفعل صاحب الشركة هذا (الذي هو أصلا من المفترض أنه  جشع و لا يهتم بحق الآخرين في الحياة الكريمة)؟ بمنتهى البساطة لن يعين أحدا للوظيفة من أصله! قد يريد أن يدفع ١٠٠ دولار فقط و ليس ٢٠٠ دولار. تحت قانون الحد الادنى لن يقوم هذا الشخص بتعيين أحد من أصله. و بهذا بدلا من أن يحصل العامل على ١٠٠ دولار، في هذه الحالة يحصل على لا شيء! بدلا من أن يكون له عمل (حتى لو كان بأقل من الرقم الذي يستاهله) سيكون هذا العامل بلا عمل و لا حتى نصف الحد الأدنى من الأجر!

    ثالثا: هذا سيؤدي بالكثير من صاحبي الشركات أن يفضل أن لا يعينه من أصله! و هذا سيؤدي إلى ازدياد في البطالة و أيضا ركود الاقتصاد! و برقود الاقتصاد، المجتمع كله يخسر أكثر و الفقر يزيد. و بهذا العائد من الضرايب يقل و كل المشاريع القومية و الاجتماعية التي يهدف إليها الإشتركيين سوف تتأثر كثيرا و تكون إما دنيئة الجودة أو حتى مستحيلة التحقيق.

    رابعا: قوانين الحد الادنى قد تعمل في بعض الدول المتقدمة. لكن في دول فقيرة أو متعثرة إقتصاديا، هذه القوانين تزيد من المشاكل فقط. و هذا لأن في الدول المتقدمة الاقتصاد عادتا ما يكون جيد جدا لتحمل أي تباطؤ في زيادة معدلات العمالة. أضف إلى هذا أن الشركات عادتا ما تكون ثرية جدا (لكن هناك أيضا الكثير من الشركات التي تفشل بسبب الحد الادنى). أما في الدول المتعثرة (مثل مصر) فيجب أن نتجنب ميته هذه القوانين لحين أن يستقر الاقتصاد و تنمو الموارد.

    فماذا نفعل إذن؟ هذا سيكون موضوع مقالة أخرى، لكن يكفي أن نقول أنه عن طريق النقابات مثلا يمكن الضغط على أصحاب الشركات أن يزيدوا من الأجور كما هو يتناسب مع القطاع و الشركة المعنية. لابد أيضا أن نتذكر أنه بالرغم من أن أصحاب الشركات غالبا ما يكونون جشعيين ، لكنهم لا يمكن أن يستثمروا أو يزيدوا من دخولهم من غير مساعدة العمال. فإذا، هم لهم مصلحة أن يبقون على العمال بل و أن يجعلوهم سعداء لكي يزيد من دخلهم (لا لحبهم للعمال!).

    المشكلة أيضا، إذن، تتحل عن طريق التوعية العامة لملاك الشركات!!!! ليس فقط للعمال! لكنه من المؤكد أن قوانين الحد ألأدنى لن تؤتي بالثمار المتوقع لها حتى و لو كانت تبدو طيبة سطحيا!