كتابة إسلام إبراهيم حسين
ردا على مقالتي السابقة عواقب قانون الحد الأدنى للاجور قام الاخ عمرو عجماوي بكتابة رد في رسالة مفتوحة رسالة مفتوحة سوف أقوم بالرد عليها تفصيليا أدناه.
لقد قرأت مقالك "عواقب الحد الأدني للأجور"، وقبل ان ابدأ في طرحي عن الإفتراضات التي بنيت عليها مقالك علي اساس انها مسلمات ومعطايات ثابتة، فإني اود ان اوضح ان اختلاف المرجعيات الفكرية لا يعني التخوين ولا تستدعي التجريح كما ان النوايا ليست محل تأكيد او نفي لكونها ببساطة ليست محل اطلاع او مشاهدة، لذا فنحن نتحدث عن فكر ومنهج يصاحبه فعل، وليكن هذا دائما هو المقياس.
يسعدني جدا سماع هذا الكلام و أتمنى أن يكون هذا هو معيار الحوار في مصرنا الجديدة الحبيبة.
بخصوص طرحكم في اولاً، فلقد تسألت عن لماذا مبلغ ٢٠٠ دولار هو الحد الأدني المطالب به وهو في حدود ١١٠٠ جنيه إلي ١٢٠٠ جنيه، وذلك وفق حسابات متوسط اسعار سلة الغذاء المصري لمتوسط عدد افراد الأسرة المعالة مضافاً عليها مصاريف السكن في اضيق حدوده وكذلك متوسطات ضعيفة لباقي احتياجات الحياة، هذا كله من ناحية ومن ناحية اخري قدرة الإقتصاد علي الوفاء بهذ الحد.
هناك مشكلتان في هذه الحسبة. أولا، هي حسبة مبنية على متوسطات. كل فرض في المجتمع له إحتياجات تزيد أو تقل عن المتوسط. كل عامل له أسرة، مثلا، مكونة من أعداد مختلفة من الأبناء. هل تشمل تلك الحسبة هذه العوامل الفردية أيضا؟ كوني ليبرالي، الفروقات الفردية مهمة جدا حيث أنه لا يصح في وجهة نظري التعامل بشمولية مع المجتمع أو مع أي فئة منه.
ولقد ذهبت بتساؤلك ايضاً في "أولاً" الي طرح سؤوال عن وضع دخل العمال الذين يعملون وينتجون بمعدلات اعلي ويحققون نتائج اعظم لأصحاب الأعمال، وهنا اود ان اوضح لك ان حديثنا عن الحد الأدني للأجور وليس عن الأجر الموحد... لذا فإن الإفتراض الذي وضعته هنا كإشكالية وربطته بعد ذلك بإفتراض آخر بأن هذا الحد الأدني سيعطي فرصة لرفض اصحاب الأعمال زيادة دخل العاملين المتميزون لهو امر ضد منطق الأشياء، فلو كان هذا العامل مميزا فإن صاحب العمل سيزيد اجره من واقع حفاظ صاحب العمل علي مصلحته الشخصية وبعيداً عن فكرة العدالة والمثالية وإلا سيفقد (صاحب العمل) مردود العامل المميز علي المؤسسة والذي وصفته انت بأنه كبير.أنا متفق معك في هذه النقطة لو كنا نتحدث عن العمالة غير ماهرة. لكن على الهامش* أي عامل يحق له أكثر من الحد الأدنى و لكن ليس بالكثير(أعداد هؤلاء كثير جدا في حالة العمالة الغير ماهرة) ، سيكون من السهل جدا دفع الحد الأدنى فقط. مع أن الفرق قد لا يكون كبيرا إلا أنه مازال حق هؤلاء في الطلب بكامل مستحقاتهم مهما كان الفرق ضئيل.
اما بخصوص كيفية فرض هذا الأجر علي اصحاب الأعمال، فالوسائل متعددة والتجارب في هذا المجال كثيرة للغاية وفعالة.و هنا يأتي واجه الاختلاف الأساسي. لا أنا ولا الليبرالية ضد الحد الأدنى كمبدأ أو في حق العمال في تكوين نقابات للضغط على أصحاب الأعمال. فهذا مثال لحرية تكوين الجمعيات**. لكن المشكلة تقبع في إعطاء أي نقابة أو شركة أو مؤسسة مساندة حكومية إستثنائية لفئة من دون الأخرى. أضف إلى هذا أنه من وجهة نظر الفكر الليبرالي أن دور الحكومة الأساسي هو ضمان تنفيذ العقود بين أفراد و مؤسسات المجتمع. تحت هذا المفترض، فالاتحادات المستقلة تتفق مع أصحاب الأعمال و منه يصيغون عقد يشمل أمور مثل الحد الأدنى المتفق عليه. و إذا لم يحترم أصحاب العمل أو العمال بشروط العقود، تتدخل الحكومة (عن طريق الجهات التنفيذية و القضائية) لصالح الجهة المفترى عليها. بهذا، الاتحادات في كل قطاع و في كل شركة تضع الحد الأدنى المناسب، دون شمولية أو تمييز في المعاملة من قبل الحكومة.
فضلاً عن هذا، فإن وجود حد ادني بهذه القيمة من شأنه زيادة القوة الشرائية في السوق وبالتالي إنعاش دورة الإقتصاد، ولتكن تلك الحقيقة هي مدخلي للرد علي النقطة "ثانياً" والتي تناولت فيها اذا كان الحد الأدني اقل من مردود العامل علي المنشأةهذا المبدأ الاقتصادي الذي تتحدث به هو النظرة السائدة في أغلب العالم و ترجع إلا جون ماينارد كينز. و الكثير من علماء الاقتصاد مازالو يشككون في فلسفته. لكن هذا سؤال أخر كبير يطول نقاشه و سوف أعد إليه في وقت أخر. لكن يكفي أن أرشد القارئ الى المقالات و المناقشات على هذا الموقع مثلا (الذي يتبع نظريات و فلسفة علماء الاقتصاد "النمساويين" أمثال فريدريك فون حايك الحائز على جائزة نوبل و لودفيج فون ميسيز و أخرين بالأخص في جامعة جورج مسون الأمريكية).
يا عزيزي هذه المشكلة ليست مشكلة العامل وإنما مشكلة الإدارة... الخلاف هنا واسع بين الأمرين، فأنت افتراضك اسس علي فكرة ان العامل غير الممكن هو نتاج ذاته وليس نتاج بيئة الإدارة، وهو اختلاف واسع مع علم الإدارة ذاته، لذلك ارجو منك مراجعة الأدبيات المختلفة وستجد الكثير الذي قتل هذه النقطة بحثاً
إمكانيات العامل ناتجة عن عوامل كثيرة. واحد منها هو دور الإدارة. لقناه دور صغير. التعليم و الأسرة و الإمكانيات المتاحة للعمل في نشأته و تعليمه، و بالأخص قدراته الذاتية كلها ما يؤدي لكون العمال من دون المهارات في موقفهم هذا. بعض كل هذه العوامل، يقدم العامل نفسه للإدارة التي هي أيضا لها دور في تحديد دخل العامل.
كذلك فأنت ذهبت بإفتراض جديد في نفس ذات النقطة، مفداه ان الحد الأدني سيقلل التوظيف بشكل عام، وهذه علاقة بين متغيرين ليس بينهما رابط، بمعني انه لا توجد علاقة مثبتة بين البطالة ووجود حد ادني للأجور. يا عزيزي لم تثبت هذه العلاقة علي الإطلاق، وهو افتراض يذكرني بإدعاء شهير دعني اذكرك به، وهو ان تكنولوجيا المعلومات تزيد من معدلات البطالة... حيث ظل البعض يردده لسنوات، في الوقت الذي اكدت الأدبيات الادارية والاقتصادية عدم وجود رابط ايضاً...فأرجو منك ايضاً مراجعة هذه النقطة وستجد عدم وجود علاقة بين الأمرين علي الإطلاق.كنت في هذه النقطة أفترض أن الحد الأدنى أكثر من الأجر الطبيعي الناتج عن قانون العرض و الطلب و قد لا نختلف هنا. زيارة سريعا الى ويكيبيديا تشرح هذه النقطة و كيف أنه ليس سؤال مغلق.
النقطة رابعاً والتي طرحت فيها ان الحد الأدني للأجور يمكن قبوله في الدول التي تتمتع بإقتصاد قوي، وهذا افتراض ايضاً يضحضه تاريخ الحد الأدني للأجور، والذي تطبقه معظم دول العالم، وحتي لا نأخذ امثلة بعيدة فهناك مثلاً ماليزيا والتي طبقته في بداية تجربتها وبالتحديد في عام ١٩٧٧، والأمثلة متكررة في كل دول جنوب شرق آسيا والتي طبقته قبل النهضة وليس بعدها... اي استخدمته لزيادة القوة الشرائية في السوق من ناحية، ولخلق قيم معنوية ايجابية لدي الملاكات العاملة حيث انه-ووفقا لنظرية اقتصادية حاز صاحبها علي جائزة نوبل- ان المحرك الرئيسي لأي اقتصاد هو وجود قيم معنوية ايجابية لدي المواطنين مثل الأمل والكرامة الوطنية والفرح العام وخلافه.هذه النقطة تداولتها سابقا (نقطة زيادة القوى الشرائية)، لكن هل من الممكن أن تحدد هذا العالم الذي تنسب إليه؟
الليبرالية أيضا تنطلق من مبدأ الأمل و الكرامة للفرد و كما أوضحت سابقا أنها ليست ضد حق تكوين الاتحادات و المطالبة بحد أدنى للأجور. لكن المشكلة تقبع في فرض حد معايا مع موهبة الاتحادات على حساب أصحاب الأشغال.
أخيرا... أشكرك جدا على أخذ الوقت للإيضاح و الرد على مقالتي و أتمني أن نستمر في هذا الحوار أيا كان الموضوع. فهذا كله من أجل مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة.
* On the margin.
**Freedom of association
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق