كتابة إسلام إبراهيم حسين
بعد بعض المناقشات مع البعض وجدت أن هناك قدر كبير من سوء الفهم (و في بعض الأحيان الكثير من سوء الظن أيضا) بمعنى و مبادئ الفكر الليبرالي. فهناك من يظن أن الليبرالية تؤدي إلى الرأس المالية المجحفة بالفقراء و متوسطي الدخل. و هناك من يظن أنها تعادي الدين و المبادئ الأخلاقية في المجتمع. و هناك من يظن أنها فلسفة تؤمن بأن حقوق الفرد أعلى من حقوق المجتمع (و هذا إلى حد ما صحيح و لكن لا يتعارض مع إيجاد مجتمع قوي فيه عدل إجتماعي) .
بما إنني ليبرالي، أود في هذه المقالة أن أوضح المبادئ الأساسية للفلسفة الليبرالية و سوف أترك للقارئ الحكم على مبادئ الفكر الليبرالي و عواقبه.
هذه لن تكون المقالة الأخيرة في هذه الموضوع و لكني سابدأ بهذا الفيديو الذي يشرح مبادئ الفكر الليبرالي. سألخص و أعلق على هذه المبدأ أدنى الفيديو.
الفكرة الأساسية في الليبرالية هي حرية الفرد. و هذه معناه أنه حتى بين الليبراليين هناك الكثير من الاختلافات و لكنهم يجتمعون على ١٠ عواقب لفكرة حرية الفرد:
- الحرية: في حياتنا اليومية، في معتقداتنا، في الطريقة التي نقدي وقتنا و مالنا، الخ، كل منا حر في كيفية استغلال مواردنا الشخصية. و بهذا فمن المنظور السياسي، الدور الأساسي للحكومة في أي مجتمع ليبرالي هو منع التعدي على أي فرد من أفراد المجتمع (حريته في التعبير، في الفكر و الاعتقاد، في الحفاظ على حياته و أملاكه التي اقتنائها بالحق من دون سرقة أو غصب).
- الفردية: حقوق الفرد أهم من حقوق أي جماعة. حق الفرد في المجتمع لا يمكن أن يجهض من أجل ما يسميه البعض "الصالح العام". أي "صالح عام" ينتج عنه طغي على حق أي فرد في المجتمع شيء غير مقبول في مجتمع ليبرالي حر. كل بني آدم له وضعه و كل بني آدم يحترم. الأنظمة الشمولية مثل القومية الرأس مالية (الفاشية fascism) و القومية الاشتراكية (الشيوعية communism) مثلا ترى أنه من الممكن الخلاص من الفرد و حقوقه من أجل تحقيق أهداف شمولية إجتماعية "أسمي".
- الشك في السلطة: أيا كانت هذه السلطة، الليبرالي دائما ما ينظر إليها بحرص شديد و بعين من الشك. سلطة الحكومة بالأخص ذات أهمية عليا بسبب أن الحكومة هي المؤسسة الوحيدة في المجتمع التي من حقها معاقبة أي كاسر للقوانين (التي من المفترض أن تكون قوانين حماية حقوق الأفراد فقط). في مجتمع قائم على الحرية، ليس هناك أي شخص أو مؤسسة غير حكومية تتعامل معها بدون أن تفعل هذا بناءا على إرادتك و مشيئتك. أما الحكومة، أيا كان نظام وضع القوانين فيها، من الممكن أن تضع قوانين ترغم عليك أشياء ضد مشيئتك. عادة ما يدعي ذوي السلطة فرض قوانين من أجل حمايتك أو من أجل التحسين من وضعك. الليبراليون يؤمنون أن أنسب شخص لتحديد ماهو في مصلحتك هو أنت و ليس أي شخص آخر، و أنه كثيرا ما يحدث هو أن من لهم السلطة يريدون أن يستثمروا شخصيآ من وراء هذه السلطة عن طريق وضع العديد من القوانين "من أجل مصلحتك" و ما هي إلا طريقة لهم و لأصحابهم من أصحاب رؤوس المال الغير صالحين للربح من وراء تلك القوانين.
- سيادة القانون: أول ما يضع المجتمع الهيكل الأساسي للقوانين التي تحكم المجتمع و الحكومة، يجب تنفيذ هذه القوانين على كل أفراد و مؤسسات المجتمع (و التي تشمل الحكومة) بدون أي تمييز. هذا عادة ما يتم عن طريق سلطات الدولة الثلاثة: السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية و السلطة القضائية. من المهم جدا تطبيق أي قانون جديد يتم طبقا للدستور الليبرالي الموضوع لحماية جميع أفراد المجتمع سواسية و بلا تمييز مبني على الدين، الجنس، الطبقة الاجتماعية، الخ.
- المجتمع المدني: المجتمع المدني هو مجموع الأفراد و المؤسسات في المجتمع، و بالأخص المؤسسات و المنظمات القائمة على حرية التجمع و تكوين شراكة طوعية حرة. و بهذا، لا تعتبر الحكومة أو الدولة جزء من هذا المجتمع المدني لأنها ليست قائمة على الطوعية و الاختيار الحر للإنضمام لها. و هنا نجد وجه إختلاف بين الليبرالية و الاناركيه، فالاناركيه تؤمن بما أن الدولة ليست مبنية على حرية الإنضمام لها، فهي مؤسسة غير مدنية و، إذن، فهي غير شرعية. الليبرالية تؤمن بأن الدولة شيء لابد منه، و لكن بما أنها ليست مبنية على حرية إختيار الفرد في المجتمع، فيجب أن يكون لها سلطة في أضيق الحدود، و يترك تنظيم المجتمع للمجتمع المدني الحر. فالسؤال إذن من سيقوم بحل مشاكل و تنظيم المجتمع؟ الإجابة الليبرالية هي مؤسسات المجتمع المدني، مثل الأسرة، المؤسسات الخيرية الدينية و الغير دينية، الشركات المستقلة الحرة، الاتحادات العمالية و المهنية، الخ. فهذه المؤسسات أولا عندها إهتمام حقيقي بأعضائها (و إلا لماذا وجدت من أصله؟) و ثانيا عادة ما تكون محلية و على دراية تامة بمتطلبات أعضائها الخاصة منها و العامة.
- التنظيم الذاتي الطبيعي التلقائي : هناك علوم إجتماعية، و إقتصادية و رياضية كاملة تدرس كيفية تكوين مؤسسات إجتماعية تحل مشاكل المجتمع بدءا من مبدأ حرية المشاركة الذي يؤدي إلى تكوين منظمات إجتماعية تحل الكثير (إن لم يكن جميع المشاكل الاجتماعية). أي حل لمشاكل المجتمع مبني على إحترام حرية الأفراد في الاختيار و التجمع أحسن من أي حل مبني على منهج من أعلى إلى أسفل (مثل جميع الحلول الحكومية للمشاكل الاجتماعية). عن طريق التفاعلات الحرة بين أفراد المجتمع، الليبراليين يؤمنوا أن نظام إجتماعي سوي يقوم. من أمثلة هذه الظواهر هي "منظمة النقود" فالنقود ما هي إلى أداة إجتماعية تسهل التعامل بين أفراد المجتمع. هذه "المنظمة" قامت على مر زمن طويل جدا خاضعة لقوانين التطور الاجتماعي المبني على التفاعلات بين الأفراد. و كذلك في حالة "منظمة اللغه". فاللغات نشأت نشأة طبيعية من دون أي إرادة أدمية عليا. في بعض الأحيان، تتكون منظمات، مثل الدولة المبنية على الاستبداد أو الرأس مالية الفاشية، التي تنشأ عن تفاعلات غير حرة. هذا ممكن تحت التنظيم الذاتي من النوع غير الحر، و لهذا، الليبرالي لا يؤيد مثل هذه المؤسسات و يسعى دائما إلى تصحيحها على قادر الإمكان .
- السوق الحر: التعاملات الاقتصادية بين أفراد و مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون حرة من أي تدخل من الدولة. هذا يشمل أيضا كيفية إستخدام الفرد لموارده. فهو يختار ماذا يابني و كيف، من أين يشتري و مع من يتعامل و يطلب عمالته و لمن يعطي عمالته. و من أجل تحقيق هذا، في المجتمع الليبرالي يجب أن تحترم الملكية الخاصة للجميع من دون تفرقة. فإن لم يكون لي الحق في التصرف في أملاكي (أيا كانت قليلة أو كثيرة) كما أرى أنه مناسب، فكيف لي أن أنظم حياتي كما أراه مناسب لي و لمتطلباتي. الكثير من الاقتصاديين (و بالأخص ذوي الميول الليبرالية) يؤكدون أن السوق الحر يزيد من الازدهار، و العمل، و يقلل من الفقر و البطالة، و يشبع متطلبات المجتمع.
- التسامح: التسامح هو أن نعطي الأخرين حق الاعتقاد و التصرف في حياتهم بحرية حتى و لو لم نتفق معهم في كيفية ممارسة معتقداتهم و حياتهم. عدم التسامح يغري الكثيرين إلى اللجوء إلى الدولة لفرض معتقداتهم على الأخرين أو لمنع الآخرين من ممارسة عقائدهم بحرية. أحسن مثال للتسامح، هو حرية التعبير. فالتعبير عن الرأي، حتى و لو كان مكروه للآخرين، فهو حق مكفول للفرد في الدولة الليبرالية. حرية التعبير ليس لها أي إستثناءات مهما كانت.
- السلام: من غير سلام و تحت تهديد إستخدام العنف، لا يمكن لأي مجتمع مدني حر من أن ينشأ. لذا، دور الدولة الأساسي هو حماية أمن المجتمع و مانع إنتشار العنف ضد الأفراد و ممتلكاتهم. أما دور الدولة مع العالم الخارجي هو تأمين السلام لأفراد المجتمع للتداول مع أفراد مجتمعات أخرى خارج حدود الدولة. و هذا يعني أن الدولة لا يجب لها أن تمنع حرية التنقل من و إلى الدول الأخرى، أو نقل البضائع و التجارة، بل و أيضا لا يمكن أن تحد من تنقل الأفكار (مثلا عن طريق الانترنت و الكتب، الخ).
- حكومة محدودة الصلاحيات: دور الحكومة الأساسي و الوحيد هو حماية حريات الأفراد، و حياتهم، و ملكيتهم الخاصة. و من دور الحكومة أيضا أن تنزع بين طرفي أي تعاقد مدني (عن طريق المحاكم). من الصعب جدا لأي حكومة من أن تفعل ماهو أكثر من ذلك من دون أن تتعدى على حريات أفراد المجتمع.
في رأي الشخصي، إذا أردت أن ألخص هذه المبادئ، ألخصها في أمرين أساسيين:
أولا: حرية الفرد في الاختيار و الأفراد في التجمع و تكوين منظمات و مؤسسات مدنية مستقلة. و مع هذا يجب أيضا إحترام مشيئة كل فرض في المجتمع مهما كانت معتقداتهم.
ثانيا: سيادة القانون الحامي لمبدأ حرية الفرد و تكوين حكومة قائمة فقط على تنفيذ تلك القوانين.
بهذين المبدأين يكون مجتمع ليبرالي عادل قوي قائم على إحترام الفرد.
إضافة:
للمزيد عن مبادئ الليبرالية، أنا أقترح هذا الكتاب:
Thanks for this succinct account of liberalism. You have covered the main aspects of it. There is no doubt that Egypt needs to understand the meaning of liberalism now more than any time before. Many people talk about it without understanding its different aspects. As democracy is now being exploited by the Islamists of Egypt - they think of democracy only as the rule of the majority, by which they mean majoritariansim, i.e. tyranny of the majority - liberalism assumes more and more importance. It is only through liberal democracy, not just democracy, will there be any hope for a modern, progressive and tolerant Egypt. Liberal democracy respects the natural rights of its citizens, and no government, whatever its majority is, can take those away.
ردحذفAbsolutely correct, Dioscorus. I will be working next on addressing claims in this article and others elsewhere:
ردحذفhttp://bit.ly/kFwKTP
Very detailed account of liberal rule. I hope we can achieve this kind of rule in Egypt one day soon.
ردحذف.Nahed... It is a long and continuous struggle
ردحذفIt is quite refreshing to see some genuine liberal thought floating on the internet to face the overwhelming socialist (and to a certain point) communist trends.
ردحذفIt is saddening that the political debate prevailing in Egypt now has been reduced to some superficial religious vs. secular antipathy. The true reform can only be brought about if we talk economics. Unfortunately, most of the voting power lies with the poor and uneducated population that does not have access to social media tools for mobilization purposes. These masses -mostly underpaid labor, countryside peasants, and slum dwellers- can be approached with two keywords: religion and financial welfare The prominent movements on the political arena that hope to seize power or at the least take control of the regulatory/constitutional/social contract reform are exclusively abusing religion as their motto (namely the salafis, and the Muslim brotherhood). Consequently, and to the dismay of most true liberals, the dialogue has been largely reduced to whether the new Egypt will be a secular or religious country, deforming the true meaning of liberalism in the mayhem. I have NOT seen or heard any presidency candidate discussing policies. A true Liberal candidate would focus for example on an economic agenda that promises the liberation of agricultural laws. Effective campaigns would ultimately target peasants for example with promises of letting them grow whatever crops they wish to without any government intervention. They could also be promised that no government officers would chase them with a burden of unfair land taxation. The same applies to trade and tarrif laws. People should talk economic policies that are crystal clear backed up with some solid economic theory (Are we all still Keynesians? or do we need a fresh breath of Hayek's Austrian doctrine?) . If you're a social democrat (such as what Baradie sounds like so far) you should be very clear about your program instead of wishy washy statements to sweet talk the public into believing you are the long waited savior. If the street man is still learning how to function and be proactive in a maturing democratic environment, then it is certainly the duty of policy people to work on laying a healthy foundation for political debate come presidency and people's assembly elections. True Liberal actors (be it activists, politicians, journals, etc) should stand up for the challenge and spread awareness of true Liberal thought. Let me ask you how many Egyptians (who claim to be liberal) have read for Immanuel Kant or Edmund Burke? Reform starts with education and awareness which I unfortunately do no see much of.
I once again salute you for your outstanding blog and I recommend that you follow the work and activities of EULY (Egyptian Union of Liberal Youth) the only truly Liberal cluster of young people I know of in Egypt at the moment.
PS: I am not a member, so don't take my words as cheap advertisement :-)